سورة الأحزاب - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


اللام في قوله تعالى: {لئن} هي المؤذنة بمجيء القسم، واللام في {لنغرينك} هي لام القسم، وتوعد الله تعالى هذه الأصناف في هذه الآية، وقرن توعده بقرينة متابعتهم وتركهم الانتهاء، فقالت فرقة: إن هذه الأصناف لم تنته ولم ينفذ الله تعالى عليها هذا الوعيد، فهذه الآية دليل على بطلان القول بإنفاذ الوعيد في الآخرة، وقالت فرقة: إن هذه الأصناف انتهت وتستر جميعهم بأمرهم وكفوا وما بقي من أمرهم أنفذ الله تعالى وعيداً بإزائه، وهو مثل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليهم إلى غير ذلك مما أحله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافقين من الإذلال في إخراجهم من المسجد وما نزل فيهم في سورة براءة وغير ذلك، فهم لا يمتثلوا الانتهاء جملة ولا نفذ عليهم الوعيد كاملاً. و{المنافقون} صنف يظهر الإيمان ولا يبطنه، {والذين في قلوبهم مرض} هو الغزل وحب الزنا قاله عكرمة، ومنه قوله تعالى: {فيطمع الذي في قلبه مرض} [الأحزاب: 32] و{المرجفون في المدينة} هم قوم من المنافقين كانوا يتحدثون بغزو العرب المدينة وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيغلب، ونحو هذا مما يرجفون به نفوس المؤمنين، فيحتمل أن تكون هذه الأصناف مفترقة بعضها من بعض، ويحتمل أن تكون داخلة في جملة المنافقين، لكنه نص على هاتين الطائفتين وهو قد ضمهم عموم لفظة النفاق تنبيهاً عليهم وتشريداً بهم وغضاً منه، و{نغرينك} معناه نحضك عليهم بعد تعيينهم لك، قال ابن عباس المعنى لنسلطنك عليهم، وقال قتادة لنحرشنك بهم، وقوله تعالى: {ثم لا يجاورونك فيها} أي بعد الإغراء لأنك تنفيهم بالإخافة والقتل، وقوله {إلا قليلاً} يحتمل أن يريد إلا جواراً قليلاً أو وقتاً قليلاً، ويحتمل أن يريد إلا عدداً قليلاً، كأنه قال إلا أقلاء، وقوله تعالى: {ملعونين} يجوز أن ينتصب على الذم قاله الطبري، ويجوز أن يكون بدلاً من أقلاء الذي قدرناه قبل في أحد التأويلات، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في {يجاورونك} كأنه قال ينتفون ملعونين، فلما تقدر {لا يجاورونك} تقدير ينتفون، حسن هذا، واللعنة الإبعاد، و{ثقفوا} معناه حصروا وقدر عليهم، و{أخذوا} معناه أسروا، والأخيذ الأسير ومنه قول العرب أكذب من الأخيذ الصيحان، وقرأ جمهور الناس {وقتّلوا} بشد التاء، ويؤيد هذا المصدر بعدها، وقرأت فرقة بتخفيف التاء والمصدر على هذه القراءة على غير قياس، قال الأعمش كل ما في القرآن غير هذا الموضع فهو {قتلوا} بالتخفيف، وقوله تعالى: {سنة الله} نصب على المصدر، ويجوز فيه الإغراء على بعد، و{الذين خلوا} هم منافقو الأمم وقوله {ولن تجد لسنة الله تبديلاً} أي من مغالب يستقر تبديله فيخرج على هذا تبديل العصاة والكفرة، ويخرج عنه أيضاً ما يبدله الله من سنة بسنّة بالنسخ.


سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة متى هي فلم يجب في ذلك بشيء، ونزلت الآية آمرة بأن يرد العلم فيها إلى الله تعالى إذ هي من مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها، ثم توعد العالم بقربها في قوله {وما يدريك} الآية، أي فينبغي أن تحذر، و{قريباً} ظرف لفظه واحد جمعاً، وإفراداً، ومذكراً ومؤنثاً، ولو كان صفة للساعة لكان قريبة، ثم توعد تعالى {الكافرين} بعذاب لا ولي لهم منه ولا ناصر، وقوله تعالى: {يوم} يجوز أن يكون متعلقاً بما قبله والعامل {يجدون}، وهذا تقدير الطبري، ويجوز أن يكون العامل فيه {يقولون} ويكون ظرفاً للقول.
وقرأ الجمهور {تُقلَّب وجوههم} على المفعول الذي لم يسم فاعله بضم التاء وشد اللام المفتوحة، وقرأ أبو حيوة {تَقلب} بفتح التاء بمعنى تتقلب، وقرأ ابن أبي عبلة {تتقلب} بتاءين، وقرأ خارجة وأبو حيوة {نقلب} بالنون، وقرأ عيسى بن عمر الكوفي {تُقلِب} بكسر اللام وضم التاء أي تقلب السعير. وبنصب الوجوه في هاتين القراءتين، فيتمنون يومئذ الإيمان وطاعة الله ورسوله حين لا ينفعهم التمني، ثم لاذوا بالتشكي من كبرائهم في أنهم أضلوهم، وقرأ جمهور الناس {سادتنا} وهو جمع سيد، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وابن عامر وحده من السبعة وأبو عبد الرحمن وقتادة وأبو رجاء والعامة في المسجد الجامع بالبصرة {ساداتنا} على جمع الجمع، و{السبيلا} مفعول ثان لأن أضل معدى بالهمزة، وضل يتعدى إلى مفعول واحد فيما هو مقيم كالطريق والمسجد وهي سبيل الإيمان والهدى، ثم دعوا بأن يضاعف العذاب للكبراء المضلين أي عن أنفسهم وعمن أضلوا، وقرأ عاصم وابن عامر وحذيفة بن اليمان والأعرج بخلاف عنه {لعناً كبيراً} بالباء من الكبر، وقرأ الجمهور والباقون {لعناً كثيراً} بالثاء ذات الثلاث والكثرة أشبه بمعنى اللعنة من الكبر أي العنهم مرات كثيرة.


{الذين آذوا موسى} هم قوم من بني إسرائيل، واختلف الناس في الإذاية التي كانت وبرأه الله منها، فقالت فرقة هي قصة قارون، وإدخاله المرأة البغي في أن تدعي على موسى ثم تبرئتها له وإشهارها بداخلة قارون، وقد تقدمت القصة في ذكر قارون، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه هي أن موسى وهارون خرجا من فحص التيه إلى جبل مات هارون فيه، فجاء موسى وحده، فقال قوم هو قتله، فبعث الله تعالى ملائكة حملوا هارون حتى طافوا به في أسباط بني إسرائيل ورأوا آية عظيمة دلتهم على صدق موسى ولم يكن فيه أثر، وروي أنه حيي فأخبرهم بأمره وببراءة موسى، وقال ابن عباس وأبو هريرة وجماعة هي ما تضمنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة وكان موسى عليه السلام يتستر كثيراً ويخفي بدنه فقال قوم هود آدر أو أبرص أو به آفة فاغتسل موسى يوماً وجعل ثيابه على حجر ففر الحجر بثيابه واتبعه موسى يقول ثوبي حجر ثوبي حجر، فمر في أتباعه على ملأ من بني إسرائيل، فرواه سليمان مما ظن به، الحديث بطوله خرجه البخاري {فبرأه الله مما قالوا} والوجيه المكرم الوجه، وقرأ الجمهور {وكان عند الله}، وقرأ ابن مسعود {وكان عبد الله}، ثم وصى عز وجل المؤمنين بالقول السداد، وذلك يعم جميع الخيرات، وقال عكرمة: أراد لا إله إلاَّ الله، والسداد يعم جميع هذا وإن كان ظاهر الآية يعطي أنه إنما أشار إلى ما يكون خلافاً للأذى الذي قيل في جهة الرسول وجهة المؤمنين، ثم وعد تعالى بأنه يجازي على القول السديد بإصلاح الأعمال وغفران الذنوب، وباقي الآية بين.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10